فضل يوم الجمعة

سُنّة الله في التّفضيل من سُنن الله -سبحانه وتعالى- في الكون سُنّة التفضيل؛ فقد فضّل الله -سبحانه وتعالى- بعض خلقه على بعض ممّن اصطفاهم برسالاته، وفضّل بعض الأزمان على بعض، فقد فضّل الله -سبحانه وتعالى- أشهُراً على أشهر؛ فكان شهر رمضان المبارك أفضل الشهور، وفضّل بعض أيام العام على بعض، مثل يوم عرفة، وفضّل لياليَ على غيرها من الليالي، مثل ليلة القدر، ومن ذلك التفضيل تفضيل يوم الجمعة على غيره من الأيام؛ حيث حظي بمكانة خاصة في الإسلام، وقد أفرد له كثير من العلماء مساحةً واسعةً في كُتُب الفضائل والأحكام والمسائل، وجديرٌ بالمسلمين أن يُقدّروه، ويحفظوا مكانته، ويحرصوا على الالتزام بالآداب والسُّنَن والأذكار المأثورة فيه؛ فهو نعمة ربانيّة، ومِنحة إلهيّة لعباده المؤمنين؛ فما هو فضل يوم الجمعة، وما أدلّة ذلك، وما هي السُّنن الخاصّة به؟ فضل يوم الجمعة لتفضيل يوم الجمعة على غيره من الأيام أسباب كثيرة، منها:[١] قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (خيرُ يومٍ طلعت عليه الشَّمسُ يومُ الجمعةِ، فيه خُلِق آدمُ، وفيه أُدخل الجنَّةَ، وفيه أُخرج منها، ولا تقومُ السَّاعةُ إلَّا في يومِ الجمعة)،[٢] وقال أيضاً: (إنَّ مِن أفضلِ أيَّامِكم يومَ الجُمعةِ، فيه خلَق اللهُ آدَمَ وفيه قُبِض، وفيه النَّفخةُ وفيه الصَّعقةُ؛ فأكثِروا علَيَّ مِن الصَّلاةِ فيه؛ فإنَّ صلاتَكم معروضةٌ علَيَّ)،[٣] وفي هذين الحديثين إشارات جليّة لبعض الأسباب التي فُضِّل بسببها يوم الجمعة، فجاء عن القاضي عِيَاض: إنّ الأحداث المعدودة في الحديث ليست كلّها لذكر الفضائل، وإنّما إشارة إلى الأمور العظِام التي حدثت وستحدث فيه؛ فإخراج آدم من الجنّة ليس فضيلةً، في حين نجد أنّ ابن العربيّ في شرحه لسُنن الترمذيّ أشار إلى أنّ ذلك كلّه من الفضائل، فخروج آدم من الجنّة هو سبب لوجود هذا النّسل البشري العظيم ووجود الأنبياء والصالحين، وقيام الساعة الذي هو سبب لتعجيل جزاء الصالحين، وإظهار كرامتهم عند لقاء الله تعالى. اختصّ الله -سبحانه وتعالى- يوم الجمعة بصلاة الجمعة، وجعلها من أفضل الصلوات، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).[٤] جعل الله -سبحانه وتعالى- المحافظة على صلاة الجمعة، سبباً لتكفير الذنوب والآثام دون الكبائر، وفي الحديث أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (الصَّلواتُ الخمسُ، والجمُعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ، مُكفِّراتٌ ما بينَهنَّ إذا اجتنَبَ الْكبائرَ).[٥] تميّزت صلاة فجر يوم الجمعة مع جماعة المسلمين بالفضل عن غيرها من صلوات الفجر في باقي الأيام، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أفضَلَ الصَّلواتِ عندَ اللَّهِ -عزَّ وجلَّ- صلاةُ الصُّبحِ يومَ الجمعةِ في جماعةٍ).[٦] امتنّ الله -سبحانه وتعالى- على من مات من أهل المِلّة يوم الجمعة أو ليلتها بالوقاية من فتنة القبر، وهذا يدلّ على مكانة هذا اليوم عند الله، وعظيم الرحمة التي ينزّلها على عباده، فقد جاء في الحديث أنّ النبي -صلّى اللَّه عليه وسلّم- قال: (ما مِنْ مسلِمٍ يموتُ يومَ الجمعةِ، أوْ ليلَةَ الجمعةِ، إلَّا وقَاهُ اللهُ -تعالى- فتنةَ القبر).[٧] من المُستحَبّ في يوم الجمعة قراءة الإمام في صلاة الفجر سورتَي السّجدة والإنسان؛ اقتداءً بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فجاء في الحديث: (أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كان يقرَأُ في صلاةِ الصُّبحِ يومَ الجُمعةِ: الم تَنْزِيلُ، وهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ)؛[٨] وذلك لأنّ هاتين السورتين تحدّثتا عمّا كان ويكون في يوم الجمعة، ومن ذلك خلق آدم عليه السلام، وما يكون من أحوال يوم القيامة كالبعث والحشر، فناسب التّذكير بهما. امتاز يوم الجمعة بالإكثار من الصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ومع أنّ الصلاة على النبي مستحبّة في جميع الأوقات، إّلا أنّها يوم الجمعة أكثر استحباباً؛ فقد جاء في الحديث: (إنّ من أفضلِ أيامِكم يومَ الجمعةِ، فأكثروا علَيَّ من الصلاةِ فيه، فإنّ صلاتَكم معروضةٌ عليَّ).[٩][١٠] اختصّ المولى -سبحانه وتعالى- ظرفاً زمانياً في يوم الجمعة، لا يسأل العبدُ ربَّه فيه شيئاً إلّا أعطاه إيّاه واستجاب له دعاءَه؛ فمن المُستحَبّ الإكثار من الدُّعاء وطلب الحاجات من الله تعالى، وتلمّس الساعة المُستجابة التي وقف العلماء في تحديد وقتها على رأيَين، هما: الأوّل ما بين أذان الجمعة إلى انقضاء صلاة الجمعة، والثاني أنّها من بعد العصر إلى غروب الشمس.[١١] اختار الله -سبحانه وتعالى- يوم الجمعة لاستحباب قراءة سورة الكهف فيه؛ فقد جاء في الحديث الشريف ما يؤكّد بركة قراءتها وفضلها في هذا اليوم؛ فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: (مَن قرَأ سورةَ الكهفِ يومَ الجمُعةِ، أضاء له منَ النورِ ما بين الجُمعتين)،[١٢] وتجدر الإشارة إلى أنّ الأجر يتحصّل للمسلم بقراءة سورة الكهف كاملةً، لا بقراءة بعض آياتها، على أنّه يجوز لقارئها أن يُتمّ قراءتها مُجزَّأة في أوقات متباعدة من يوم الجمعة، ويشمل استحباب قراءتها للصغير والكبير، والذكر والأنثى، والمقيم والمسافر؛ وذلك لعظيم فضلها، ولا ارتباط بين قراءة سورة الكهف وأداء صلاة الجمعة؛ فالأجر والفضل يتحققّ بتلاوتها لأصحاب الأعذار، مثل: المسافر والمريض، ويجزئ قراءتها عن المصحف أو ممّا حُفِظ غيباً.[١٣] هدْي النبيّ في يوم الجمعة كان من هدي النبي -صلّى الله عليه وسلّم- تعظيمه ليوم الجمعة، وإظهار المزيد من الطاعة والقُربات، وتعظيم شعائر الله تعالى، وذلك ابتداءً من الاغتسال، ولبس أجمل الثياب، والإنصات لخطبة الجمعة، والنهي عن الحديث فيها، وكان من سنّة الرسول -عليه السلام- أن يصعد المنبر إذا اجتمع المسلمون وقت الصلاة؛ فيخطب فيهم خطبتان بينهما جلسة خفيفة، وكان على المنبر كأنّه منذر جيش، وكان يقطع خطبته إذا طرأ طارئ، وكان من منهجه القِصَر في الخطبة، والإطالة في الصلاة.[١٤]

أضف تعليق